منذ نوفمبر 2023، تواجه فنلندا حالة غير مسبوقة من التوتر على حدودها الشرقية مع روسيا. بعد تدفق حوالي ألف مهاجر بدون تأشيرات عبر هذا المعبر الذي يمتد لمسافة 1340 كيلومترًا، سارعت الحكومة الفنلندية إلى إغلاق الحدود بشكل مؤقت. وفي نيسان/أبريل 2024، تم تمديد هذا الإغلاق مجددًا “حتى إشعار آخر”، ليصبح بذلك واحدًا من أبرز القرارات الأمنية التي اتخذتها البلاد في تاريخها الحديث.
الادعاءات المتبادلة بين فنلندا وروسيا
فنلندا ترى أن ما جرى لم يكن مجرد موجة لجوء عفوية، بل حملة “منظمة” تقف خلفها موسكو بهدف زعزعة استقرارها. هذا الاتهام تنفيه روسيا بشدة، معتبرة أن الاتهامات الفنلندية تفتقر إلى الأدلة. ورغم النفي الروسي، تؤكد السلطات الفنلندية أن لديها معلومات استخباراتية تشير إلى نية روسيا استخدام ملف الهجرة كأداة للضغط السياسي.
هل يشكل تدفق المهاجرين تهديدًا حقيقيًا؟
بحسب بيان رسمي صادر عن الحكومة الفنلندية، فإن تدفق المهاجرين في نوفمبر الماضي كان أداة تُستخدم للتأثير على الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي، سواء في فنلندا أو داخل الاتحاد الأوروبي عمومًا. السلطات تخشى من تكرار هذه السيناريوهات، خصوصًا وأن الحدود الشرقية تمثل نقطة حساسة للغاية في العلاقة بين الطرفين.
اقرأ أيضًا :بريطانيا..معالجة طلبات لجوء الأشخاص الذين أُلغيت خطة ترحيلهم إلى رواندا.
قانون “الردع”: محاولة للسيطرة على الموقف
في تموز/يوليو 2024، أقر البرلمان الفنلندي قانونًا مثيرًا للجدل يمنح حرس الحدود سلطة غير مسبوقة لمنع دخول طالبي اللجوء عبر روسيا. هذا القانون، الذي أُطلق عليه إعلاميًا “قانون الردع”، دخل حيز التنفيذ بشروط صارمة: يمكن تطبيقه فقط لمدة شهر واحد في مناطق محددة، وفقط إذا ثبت وجود تهديد مباشر للأمن القومي.
الجدل القانوني والدستوري حول “قانون الردع”
ما أثار الجدل حول هذا القانون هو مدى توافقه مع الالتزامات الدولية لفنلندا في مجال حقوق الإنسان، فضلًا عن مواءمته لدستورها. ورغم اعتراف الحكومة الفنلندية بأن القانون قد يتعارض مع بعض الالتزامات الحقوقية، إلا أنها دافعت عنه باعتباره “إجراءًا استثنائيًا” لمواجهة ظروف استثنائية.
قانون آخر لتعزيز صلاحيات حرس الحدود
في آذار/مارس 2024، اقترحت الحكومة تمديد قانون مؤقت يتيح لحرس الحدود التصدي لطالبي اللجوء في ظل ظروف معينة لمدة عام إضافي. الهدف من هذا التمديد هو تعزيز قدرة الدولة على حماية حدودها في حال تفاقمت الأزمة مرة أخرى.
أزمة الهجرة والاتحاد الأوروبي
الوضع لا يقتصر فقط على فنلندا. الاتحاد الأوروبي بأكمله ينظر بعين القلق إلى ما يحدث على حدود الدول الأعضاء مع روسيا وبيلاروسيا. فحادثة التدفق الجماعي للمهاجرين نحو فنلندا ليست الأولى من نوعها، بل هي جزء من نمط متكرر يشمل دول البلطيق وبولندا.
دور المهربين في تعقيد الأزمة
من أبرز التهديدات الأمنية المرتبطة بالهجرة غير النظامية هو نشاط شبكات التهريب. في تقرير أصدرته وكالة “يوروبول”، تم الكشف عن تفكيك شبكة لتهريب المهاجرين تضم 21 شخصًا كانوا ينقلون مهاجرين، معظمهم من العراق وسوريا، من بيلاروسيا وروسيا إلى أوروبا، باستخدام وثائق مزورة ومعدات تقنية متقدمة.
كم يدفع المهاجرون للوصول إلى أوروبا؟
وفقًا للتقارير الأمنية، فإن تكلفة تهريب المهاجر الواحد تراوحت بين 3000 إلى 5000 يورو. وغالبًا ما تُجبر العائلات على بيع ممتلكاتها أو اقتراض المال من أجل تمويل هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
فنلندا تخفض مراكز استقبال اللاجئين والإعانات
في سياق هذه التطورات، قررت الحكومة الفنلندية تقليص عدد مراكز استقبال طالبي اللجوء، بالإضافة إلى تقليص حجم المساعدات المادية المقدمة لهم. هذا التوجه يهدف إلى الحد من جاذبية فنلندا كوجهة للمهاجرين، خاصة في ظل الوضع الأمني الراهن.
البعد الإنساني وسط التوترات السياسية
رغم الطابع الأمني الذي يغلب على النقاش، فإن المسألة في جوهرها إنسانية. آلاف الأشخاص، معظمهم فارون من الحروب أو الأزمات الاقتصادية، يجدون أنفسهم عالقين في مناطق حدودية قاسية، ضحية لصراعات سياسية لا يد لهم فيها.
هل تتحول الحدود الشرقية إلى “جدار عازل”؟
مع استمرار إغلاق الحدود وازدياد الإجراءات الأمنية، يخشى البعض من أن تتحول الحدود الشرقية لفنلندا إلى ما يشبه “جدارًا عازلًا”، يفصل ليس فقط بين دولتين، بل بين عالمين: أحدهما ينعم بالأمن، والآخر يعاني من الفوضى والاضطرابات.
الأمن القومي أم حقوق الإنسان؟
يبقى السؤال الأصعب: كيف يمكن التوفيق بين حماية السيادة الوطنية واحترام حقوق الإنسان؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه فنلندا، وربما أوروبا كلها، في ظل موجات الهجرة المستمرة والصراعات الجيوسياسية المتزايدة.
ما مستقبل العلاقة بين فنلندا وروسيا؟
مع تصاعد الإجراءات الأمنية والاتهامات المتبادلة، يبدو أن العلاقة بين فنلندا وروسيا مرشحة لمزيد من التدهور. فالإجراءات الحدودية الأخيرة لم تأتِ فقط كرد فعل، بل كإشارة سياسية واضحة إلى أن فنلندا تتبنى سياسة أكثر صرامة تجاه جارتها الشرقية.
خاتمة
إغلاق الحدود بين فنلندا وروسيا لا يُعد فقط قرارًا إداريًا، بل هو مؤشر على تحولات جيوسياسية عميقة في المنطقة. ورغم أن الهدف المعلن هو حماية الأمن القومي، إلا أن ثمن ذلك قد يكون على حساب حقوق الإنسان والعلاقات الدولية. وحدها الأيام ستكشف ما إذا كانت هذه السياسة ستؤدي إلى استقرار أم إلى مزيد من التصعيد.
مصدر الخبر: فنلندا بالعربي
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل إغلاق الحدود بين فنلندا وروسيا دائم؟
لا، الإغلاق مستمر “حتى إشعار آخر”، ما يعني أنه قد يُعاد فتح الحدود في حال تغيرت الظروف الأمنية.
ما هو “قانون الردع” الذي أقرته فنلندا؟
هو قانون يمنح حرس الحدود سلطة منع دخول طالبي اللجوء من روسيا، ويُطبق فقط في مناطق محددة ولمدة شهر قابلة للتجديد.
هل يتعارض القانون مع حقوق الإنسان؟
نعم، بعض الخبراء يرون أنه يتناقض مع التزامات فنلندا الدولية في مجال حقوق الإنسان، والحكومة نفسها اعترفت بإشكاليته القانونية.
لماذا اتخذت فنلندا هذه القرارات الآن؟
جاءت كرد فعل على موجة هجرة مفاجئة عبر الحدود الشرقية، واتهامات لروسيا باستغلال هذه الأزمة لأهداف سياسية.
ما تأثير هذا الإغلاق على اللاجئين؟
الكثير من اللاجئين عالقون في ظروف صعبة، حيث أصبح من شبه المستحيل دخول فنلندا عبر روسيا في الوقت الحالي.
اقرأ أيضًا :سياسة الترحيل الإيطالية إلى ألبانيا: تحول جديد في إدارة أزمة اللاجئين