الحق في الجنسية بالولادة يعود إلى واجهة المشهد القضائي والسياسي في الولايات المتحدة، بعدما باشرت المحكمة العليا جلساتها الحاسمة للنظر في شرعية وتفسير هذا الحق الدستوري العريق الذي أثار جدلاً واسعاً منذ صدور مرسوم رئاسي موقّع من طرف الرئيس السابق دونالد ترامب. فالجلسة التي عقدت يوم الخميس كانت نقطة انطلاق لمعركة قانونية شديدة التعقيد تتقاطع فيها السياسة مع الدستور، والهوية مع الانتماء، والمواطنة مع مسألة الهجرة غير النظامية.
القضاة التسعة الذين يتشكل منهم أعلى جهاز قضائي في البلاد يجدون أنفسهم أمام مهمة ثقيلة ستترك أثرها العميق في بنية المواطنة الأمريكية. فالقرار المنتظر صدوره لاحقاً لا يقتصر على تأويل بند دستوري مضى عليه أكثر من قرن ونصف، بل يشمل أيضا فحص مدى قدرة المحاكم الدنيا على تقييد وتحجيم صلاحيات السلطة التنفيذية فيما يخص مسائل السيادة والهجرة.
الرئيس ترامب، الذي دأب على اتخاذ قرارات مثيرة للجدل منذ استهلال ولايته الثانية، جعل من تعليق الحق في الجنسية بالولادة للأطفال المولودين من والدين غير قانونيين حجر الأساس في سياساته الخاصة بالهجرة. هذا القرار، سرعان ما ووجه بموجة من الأوامر القضائية الصادرة عن محاكم متعددة في أنحاء البلاد، التي اعتبرته انتهاكاً صريحاً للدستور الأمريكي، ما أدى إلى تجميده مؤقتاً.
في سياق متصل، جرى تسليط الضوء على تأويل الفقرة الدستورية التي تنص على منح الجنسية لكل من يولد على التراب الأمريكي. إذ رأت الإدارة الأمريكية، في مرسومها المؤرخ بـ20 يناير، أن هذا التأويل قد تم توسيعه بشكل غير مبرر، وأن نية المشرّع حين أدرج هذا البند لم تكن تشمل المهاجرين، بل العبيد السابقين الذين تم تحريرهم بعد الحرب الأهلية.
محامي الحكومة، جون ساور، تقدم بحجة دفاعية مفادها أن الفقرة المذكورة لا يجوز أن تُستغل كذريعة لمنح الجنسية التلقائية دون قيود، مستشهداً بالسياق التاريخي لاعتمادها. بينما يرى معارضو المرسوم أن هذه المحاولة تمثل تقويضاً خطيراً لمبدأ راسخ في القانون الأمريكي، وستفتح الباب أمام ممارسات تمييزية تتنافى مع روح العدالة والمساواة.
لكن القضية لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد لتطال جوهر العلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية. المحكمة العليا ستفصل كذلك في ما إذا كان من المشروع للمحاكم الدنيا إصدار أوامر قضائية تعيق تنفيذ مراسيم رئاسية، خصوصاً حين تتعلق بمسائل تمس الأمن القومي والسيادة. وهو ما يعكس حالة من الشد والجذب بين السلطة التنفيذية التي تسعى لتوسيع نفوذها، والقضاء الذي يتمسك بدوره في كبح أي انحراف عن المبادئ الدستورية.
تقرير أعده قسم أبحاث الكونغرس كشف عن أن المحاكم الفدرالية قد أصدرت سبعة عشر أمراً قضائياً ضد الإدارة التنفيذية منذ بداية ولاية ترامب الثانية، ما يعكس حجم التوتر القانوني والتحديات التي تواجهها الحكومة في تمرير سياساتها.
وتتفرع من هذه المعركة القضائية قضايا أخرى شائكة، على رأسها قرار البيت الأبيض بإلغاء نظام الحماية المؤقتة لمواطني بعض الدول، وعلى رأسهم الفنزويليون الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف. فهؤلاء كانوا يستفيدون من وضع قانوني خاص يخول لهم الإقامة والعمل على الأراضي الأمريكية، وهو امتياز أصبح الآن عرضة للزوال في ظل التحولات الجارية.
كما أن الأمر القضائي الذي يمنع الحكومة الفيدرالية من تعليق المنح المالية المقدمة للولايات يشكل نقطة صراع إضافية، خاصة وأن هذه المساعدات تقدر بملايين الدولارات، وتعتمد عليها الولايات في تنفيذ برامجها الاجتماعية والاقتصادية. المحكمة العليا مدعوة لتحديد حدود التدخل التنفيذي في هذا المجال، ومدى شرعية فرض قيود مالية على الكيانات المحلية.
وفي مشهد أكثر حساسية، أصدرت محاكم فدرالية أوامر تقيد عمليات ترحيل المهاجرين، ما يضعها وجهاً لوجه أمام الإدارة التي تعتبر الترحيل أداة فعالة لتطبيق القوانين. هذا التعارض يعكس عمق الانقسام في الرؤى بين من يرى في المهاجرين تهديداً للنظام العام، ومن يعتبرهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج الأمريكي.
اللافت في هذا السياق أن الرئيس ترامب كان قد عين ثلاثة من أصل ستة قضاة محافظين في المحكمة العليا، ما يمنحه ميزة نسبية في ترجيح كفة التأويل المحافظ للدستور. ومع ذلك، فإن سوابق قضائية سابقة أثبتت أن التوجهات الأيديولوجية لا تكون دائماً حاسمة في القرارات النهائية، خاصة حين يتعلق الأمر بمبادئ دستورية راسخة.
القضية الحالية لا ترتبط فقط بمسألة قانونية مجردة، بل تنعكس على واقع ملايين الأشخاص، وتهدد بتغيير جوهري في طريقة تعريف الهوية الأمريكية. فتعديل مبدأ الحق في الجنسية بالولادة من شأنه أن يحرم أطفالاً ولدوا على التراب الأمريكي من أبسط حقوقهم، وهو ما يثير حفيظة منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات المدنية.
التفاعل الشعبي مع هذه القضية كان واسع النطاق، إذ خرجت مظاهرات داعمة ومعارضة أمام مقر المحكمة، في مشهد يعكس الاستقطاب الحاد الذي تعيشه الولايات المتحدة منذ سنوات. فبين من يرى أن الجنسية حق طبيعي لكل من يولد على أرض الوطن، ومن يعتبرها امتيازاً يجب أن يُمنح وفق شروط صارمة، تبدو الهوة واسعة.
وإذا ما أيدت المحكمة العليا توجهات الإدارة السابقة، فإن ذلك قد يمهد الطريق أمام موجة من التعديلات الدستورية غير المسبوقة. أما إذا قررت الحفاظ على الوضع القائم، فإنها ستعزز من مكانتها كحصن للدستور وملاذ أخير لحماية الحقوق.
الحق في الولادة كمبدأ قانوني ليس مقتصراً على الولايات المتحدة، بل تتبناه العديد من الدول كإطار لضمان الإدماج المجتمعي والتعايش. غير أن الجدل الأمريكي حوله يعكس تعقيدات أكبر تتعلق بالهوية الوطنية والهجرة والسيادة.
في كل الأحوال، فإن قرار المحكمة سيشكل لحظة فارقة في التاريخ القانوني والسياسي للولايات المتحدة، وستكون تداعياته محسوسة لسنوات طويلة.
وفي ظل هذا المشهد المحتدم، يبقى السؤال الأهم: هل ستنتصر روح الدستور على حسابات السياسة؟ أم ستفرض الموازنات الجديدة منطقها، وتُعيد صياغة مفهوم المواطنة من الجذور؟
أسئلة شائعة وإجاباتها حول قضية الحق في الجنسية بالولادة
هل يمنح الدستور الأمريكي الجنسية تلقائياً لكل من يولد على أراضيه؟
نعم، وفقاً للتعديل الرابع عشر من الدستور، يُمنح الحق في المواطنة لكل من يولد على التراب الأمريكي، إلا إذا تم استثناء ذلك بتفسير قضائي جديد.
هل قرار ترامب بتعليق منح الجنسية بالولادة أصبح ساري المفعول؟
لا، تم تجميده من قبل المحاكم الفدرالية، وقد اعتُبر غير دستوري في عدة أحكام قضائية.
هل يمكن للمحكمة العليا نقض هذا الحق الدستوري؟
المحكمة لا تستطيع تعديل الدستور، لكنها قد تعيد تأويله بما يسمح بتقليص نطاق تطبيقه.
هل المتأثرون بالقرار من جنسية معينة؟
القرار يشمل جميع المولودين من والدين لا يحملان إقامة شرعية، بغض النظر عن جنسياتهم.
ما أثر القرار على مستقبل الهجرة في أمريكا؟
قد يؤدي إلى تغيير جذري في سياسة الهجرة، ويُصعّب من حصول الأجيال القادمة من المهاجرين على الجنسية الأمريكية، مما سيؤثر على النسيج الاجتماعي الأمريكي لعقود قادمة.
المصدر الرئيسي لهذا الخبر هو وكالة الأنباء المغربية الرسمية (و.م.ع)، وقد نُشر عبر موقع “ميدي1 نيوز“
اقرأ أيضًا :إطلاق نظام ذكي جديد لتنظيم مواعيد التأشيرات في المغرب