صادق البرلمان الفرنسي نهائيًا على قانون جديد يشدد من شروط الحصول على الجنسية بالولادة في أرخبيل مايوت. هذا الأرخبيل الفرنسي يقع في المحيط الهندي، ويواجه منذ سنوات أزمات متلاحقة، كان آخرها الإعصار “تشيدو” الذي خلّف دماراً واسعاً. يثير هذا القانون الجديد جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الفرنسية. فبينما يراه اليمين خطوة ضرورية لكبح الهجرة غير النظامية، يعارضه اليسار لأنه يقوض مبدأ المساواة أمام القانون. القانون يمثل تصعيداً غير مسبوق في سياسة فرنسا تجاه منح الجنسية عبر الولادة في مايوت، مقارنة بباقي الأراضي الفرنسية.
خلفية المشروع والتصويت النهائي في البرلمان
في 8 أبريل، صوّت البرلمان الفرنسي نهائيًا لصالح مشروع قانون يقيد حق الحصول على الجنسية الفرنسية بالولادة في مايوت. هذا النص تمت الموافقة عليه أولاً في مجلس الشيوخ، ثم صادق عليه مجلس النواب بدعم من الائتلاف الحاكم ونواب اليمين المتطرف. النائب الجمهوري فيليب جوسلين، صاحب المبادرة، برر المشروع بوجود “عوامل جذب قوية للهجرة غير النظامية” نحو مايوت، أهمها سهولة الحصول على الجنسية. لكنه أقر بأن القانون الجديد وحده لا يكفي لوقف الهجرة.
تغييرات جوهرية في شروط منح الجنسية
في السابق، كان يُمنح الطفل المولود في مايوت الجنسية الفرنسية إذا كان أحد الوالدين يقيم بانتظام في فرنسا لمدة ثلاثة أشهر. أما الآن، فالقانون يشترط أن يكون كلا الوالدين مقيمين بشكل منتظم في الأراضي الفرنسية لمدة لا تقل عن سنة. هذا الشرط يستثني الحالات التي يكون فيها أحد الوالدين غائبًا. التعديل يعتبر الأكثر صرامة مقارنة بما هو معمول به في باقي فرنسا، حيث ما زال الأطفال المولودون لوالدين أجنبيين يحصلون على الجنسية وفق شروط أقل تعقيدًا.
اختلاف المعايير بين مايوت وباقي الأراضي الفرنسية
في فرنسا القارية، يحق للطفل الحصول على الجنسية بالولادة إذا وُلد على التراب الفرنسي وكان أحد والديه قد وُلد أيضًا في فرنسا. أما إذا كان كلا الوالدين مولودين في الخارج، فيمكن للطفل الحصول على الجنسية عند بلوغه سن الرشد، بشرط الإقامة في فرنسا لمدة خمس سنوات على الأقل منذ سن الحادية عشرة. هذا التباين في القوانين يعزز من الشعور بأن مايوت تُعامل كحالة استثنائية داخل الجمهورية.
دعم اليمين ومعارضة اليسار
قوبل هذا التعديل بتأييد واسع من أحزاب اليمين واليمين المتطرف، مثل حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان، التي طالبت بإلغاء الجنسية عبر الولادة في جميع أنحاء فرنسا. من جهتها، اعتبرت أحزاب اليسار أن القانون لا يعالج المشاكل الحقيقية في مايوت، مثل الاكتظاظ السكاني والفقر والهجرة القادمة من جزر القمر. كما أبدوا مخاوف من أن يؤدي إلى تمييز قانوني ضد سكان الأرخبيل. اليسار أعلن عزمه الطعن في القانون أمام المجلس الدستوري.
أرخبيل مايوت.. ساحة اختبار لسياسات الهجرة المشددة
وصفت النائبة عن حزب الخضر، دومينيك فوينيه، القانون الجديد بأنه “تحول خطير”، معتبرة أن مايوت أصبحت “مختبراً لأفكار اليمين المتطرف”. وقالت إن القانون ينذر بنهاية مبدأ المواطنة بالولادة في فرنسا كلها. الباحثون أيضًا شككوا في فاعلية القانون. فبحسب الأستاذة الجامعية ماري لور باسيليان، فإن القوانين السابقة لم تؤدِ إلى تقليص الهجرة غير النظامية. وأشارت إلى أن القيود المفروضة منذ 2018 لم تُقلل من عدد الوافدين، رغم خفض فرص الحصول على الجنسية.
أرقام تشير إلى نتائج محدودة
رغم تشديد القوانين منذ عام 2018، لم ينخفض عدد الولادات لأبوين أجنبيين في مايوت. بل على العكس، ارتفع هذا الرقم. ففي عام 2022، سُجلت زيادة بنسبة 14٪ في عدد المواليد من والدين أجنبيين مقارنةً بعام 2018. الباحث جول غازو من المركز الوطني للبحث العلمي أشار إلى أن قرار الجنسية لا يؤثر كثيرًا على قرارات الهجرة. وأكد أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورًا أكبر في تحفيز الهجرة إلى مايوت.
أوضاع استثنائية تعيشها أرخبيل مايوت
مايوت تُعد من أفقر المناطق الفرنسية. الإعصار “تشيدو” الذي ضرب الجزيرة في ديسمبر 2024، تسبب في مقتل 40 شخصًا وأدى إلى تفاقم الأزمات الموجودة مسبقًا. يعيش في الجزيرة أكثر من 320 ألف نسمة، نصفهم تقريبًا أجانب. وتشير تقارير قديمة إلى أن نصف الأجانب هناك يقيمون بصفة غير نظامية. هذه المعطيات تفسر بعض أسباب التوجه نحو تشديد قوانين الجنسية، لكنها لا تبرر وحدها المعاملة الاستثنائية لمايوت.
نظام استثنائي لحقوق الأجانب
السلطات تطبق في مايوت نظاماً مختلفًا عن باقي الأراضي الفرنسية. إجراءات اللجوء هناك أسرع، لكن تصاريح الإقامة لا تسمح بحرية التنقل إلى باقي فرنسا. كذلك، المساعدات الاجتماعية المقدمة لطالبي اللجوء محدودة، والمساعدات الطبية الحكومية (AME) غير متوفرة حاليًا، ما يزيد من التفاوت مع باقي المناطق الفرنسية.
اقرأ أيضًا :معدلات البطالة الجديدة في كندا لخبراء تقييم سوق العمل اعتبارًا من 4 أبريل
مناقشات مرتقبة حول المساعدات الطبية
في 15 مايو القادم، سيناقش البرلمان مشروع قانون جديد لتوسيع نظام المساعدة الطبية (AME) ليشمل مايوت. هذا النظام يتيح للمهاجرين غير النظاميين الاستفادة من الرعاية الصحية دون الحاجة إلى الدفع المسبق. النائبة إستيل يوسوفا قدمت المشروع، مشيرة إلى أن غياب هذا النظام في مايوت يضاعف الضغط على مستشفى الجزيرة الوحيد، ويساهم في تأخير علاج بعض الحالات، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الإجمالية.
تحديات اجتماعية وصحية متفاقمة
النظام الصحي في مايوت يعاني من ضغط كبير. المهاجرون غير النظاميين يتوجهون غالبًا إلى مستشفى مايوت، مما يسبب اكتظاظاً في الخدمات. التأخير في تقديم العلاج يؤدي إلى مضاعفات صحية وتكاليف أكبر. في ظل غياب بدائل صحية فعالة، تصبح الحاجة إلى إصلاح جذري في النظام الطبي والاجتماعي ملحة.
مستقبل أرخبيل مايوت في ظل هذه السياسات
السياسات الجديدة تؤشر إلى توجه فرنسي لتطبيق استثناءات قانونية في بعض المناطق مثل مايوت. هذا النهج قد يفتح الباب أمام مطالبات مماثلة في مناطق أخرى. وفي المقابل، تثير هذه السياسات تساؤلات حول وحدة الجمهورية الفرنسية ومبدأ المساواة بين جميع مواطنيها.
مصدر الخبر: Infomigrants
أسئلة وأجوبة
ما هو القانون الجديد المتعلق بالجنسية في مايوت؟
القانون ينص على ضرورة أن يكون كلا الوالدين مقيمين بانتظام في فرنسا لمدة عام قبل ولادة الطفل حتى يحق له الحصول على الجنسية الفرنسية في مايوت.
هل يُطبق هذا القانون في باقي فرنسا؟
لا، القانون الجديد يقتصر على مايوت. باقي الأراضي الفرنسية تعتمد على شروط أقل صرامة.
لماذا تم اتخاذ هذا القرار؟
السلطات تقول إن القرار يهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية إلى مايوت، التي تعاني من اكتظاظ سكاني وضعف في البنية التحتية.
ما هو موقف الأحزاب السياسية من القانون؟
أحزاب اليمين واليمين المتطرف أيدت القانون، فيما عارضته أحزاب اليسار التي ترى أنه يخرق مبدأ المساواة أمام القانون.
هل تؤثر هذه القوانين فعليًا على الهجرة؟
تشير الدراسات إلى أن مثل هذه القوانين لم تقلل فعليًا من أعداد المهاجرين غير النظاميين، لكنها قد تزيد من التوترات الاجتماعية.
هل هناك خطط لتوسيع نظام الرعاية الصحية في مايوت؟
نعم، البرلمان سيناقش مشروع قانون لتطبيق نظام المساعدة الطبية (AME) في مايوت بهدف تخفيف الضغط على القطاع الصحي.
اقرأ أيضًا :ألمانيا..اقتراح بوقف استقبال اللاجئين من مناطق الحروب والأزمات