يُعد العمل التطوعي في أوروبا من الأنشطة المهمة التي تمنح الفرد فرصة فريدة للجمع بين تقديم المساعدة للمجتمع واكتساب الخبرات الشخصية والمهنية. فالتطوع لا يقتصر فقط على دعم القضايا الإنسانية أو البيئية أو الاجتماعية، بل يشكّل أيضًا بوابة للتعرف على ثقافات جديدة. وتوسيع دائرة العلاقات، وتطوير المهارات الفردية في بيئة متعددة الجنسيات. غير أن سؤالاً يتكرر كثيرًا في أوساط المهتمين بهذا النوع من الأنشطة: هل يشترط الحصول على إقامة مؤقتة حتى أتمكن من التطوع في أوروبا؟ هذا السؤال يعكس القلق المشروع لدى الكثير من الراغبين في خوض تجربة تطوعية، خصوصًا أولئك القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي. إذ تختلف القوانين والأنظمة من دولة إلى أخرى. وتتنوع متطلبات المشاركة في البرامج التطوعية بناءً على المدة، وطبيعة النشاط، والجهة المنظمة له.
العمل التطوعي مقابل العمل المأجور
العمل التطوعي في أوروبا يختلف بشكل جوهري عن العمل المأجور، ومن المهم إدراك هذا الفرق لتفادي أي خلط قانوني أو إداري قد يعرقل مشاركة الفرد في برامج تطوعية داخل أوروبا. فبينما يقوم العمل المأجور على علاقة تعاقدية بين الموظف وصاحب العمل. تتضمن أجراً مالياً وحقوقاً قانونية مرتبطة بعقود العمل، فإن العمل التطوعي هو نشاط غير ربحي يُمارَس بإرادة حرة دون مقابل مادي. وغالباً ما يكون في إطار منظمات خيرية، جمعيات أهلية، أو مؤسسات غير حكومية تهدف إلى تحقيق منفعة مجتمعية أو بيئية أو إنسانية.
هذا التمييز ضروري لأن القوانين الأوروبية تُعنى بتحديد طبيعة النشاط الذي ينوي الشخص الأجنبي ممارسته داخل أراضيها. فإذا تم اعتبار النشاط الذي يقوم به المتطوع كعمل مأجور بشكل غير قانوني، فقد يؤدي ذلك إلى رفض منحه التأشيرة أو حتى إلى مشاكل قانونية لاحقة. لذلك، يجب التأكد من أن البرنامج التطوعي الذي يشارك فيه المتطوع واضح في أهدافه. محدد في مدته، وغير مرتبط بأي نوع من العوائد المالية التي قد توحي بأنه عمل مقابل أجر. وفي المقابل، قد توفر بعض البرامج التطوعية مزايا مثل الإقامة أو مصروف الجيب، لكنها لا تُعد راتباً بالمعنى القانوني، بل تُصنَّف كمساعدات لوجستية لتسهيل تجربة التطوع.
اقرأ أيضًا :هل يحتاج العمل التطوعي في أوروبا إلى مستوى معين من اللغة؟
الوضع القانوني يختلف حسب الدولة
من المهم أن ندرك أن أوروبا ليست كيانًا قانونيًا موحدًا فيما يتعلق بتأشيرات الدخول أو تصاريح الإقامة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل التطوعي. فكل دولة ضمن الاتحاد الأوروبي، وحتى الدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد، تضع تشريعات خاصة بها تنظم مجالات الإقامة والنشاط التطوعي، وغالبًا ما تختلف الشروط والمتطلبات بشكل كبير من بلد إلى آخر. ولذلك، لا توجد إجابة واحدة شاملة على سؤال: “هل أحتاج إلى إقامة مؤقتة حتى أتمكن من التطوع في أوروبا؟” فالإجابة تعتمد بالدرجة الأولى على جنسيتك، والغرض من زيارتك، وطبيعة البرنامج التطوعي، والبلد الذي تخطط للذهاب إليه.
إذا كنت مواطناً من إحدى دول الاتحاد الأوروبي:
هنا تصبح الأمور أبسط بكثير. مواطنو دول الاتحاد الأوروبي يتمتعون بحق التنقل والإقامة في أي دولة عضو أخرى في الاتحاد دون الحاجة إلى تأشيرة أو إقامة مؤقتة. وهذا الحق يكفله مبدأ حرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي، والذي يسمح للمواطنين بالعمل، الدراسة، أو حتى التطوع دون الحاجة للحصول على إذن خاص.
ومع ذلك، هناك بعض الإجراءات الإدارية التي قد تُطلب، خصوصًا إذا كانت مدة إقامتك تتجاوز 90 يومًا. ففي هذه الحالة، قد يُطلب منك تسجيل عنوان سكنك لدى السلطات المحلية، أو الحصول على بطاقة إقامة محلية (تسجيل فقط وليس تصريح إقامة). لكن بشكل عام، لا توجد قيود تعيق المواطنين الأوروبيين من المشاركة في العمل التطوعي داخل الاتحاد، ما دام النشاط الذي يقومون به لا يتعارض مع النظام العام أو الأمن العام للبلد المضيف.
إذا كنت من خارج الاتحاد الأوروبي (مثل معظم الدول العربية):
الوضع يختلف كليًا هنا. فالراغبون في التطوع في أوروبا من خارج الاتحاد الأوروبي يخضعون لمجموعة من الشروط والمتطلبات القانونية التي تختلف باختلاف الدولة. وهنا نميز بين حالتين أساسيتين:
. الراغبون في السفر خصيصًا للعمل التطوعي في أوروبا – تأشيرة تطوعية أو إقامة مؤقتة:
إذا كنت تنوي السفر إلى أوروبا خصيصًا من أجل التطوع، فأنت على الأرجح ستحتاج إلى نوع خاص من التأشيرات. هذه التأشيرات تختلف من بلد لآخر، لكنها تشترك غالبًا في بعض الشروط الأساسية، مثل:
- وجود عقد تطوع رسمي بينك وبين جهة منظمة معترف بها (كمنظمة غير ربحية، أو جمعية إنسانية، أو مؤسسة تعليمية، إلخ).
- التأمين الصحي الشامل الذي يغطي فترة إقامتك بالكامل.
- إثبات القدرة على تغطية نفقات المعيشة، سواء من خلال مدخرات شخصية أو من خلال دعم مالي تقدمه الجهة المستضيفة.
- أحيانًا يُطلب تقديم شهادة حسن السيرة والسلوك أو إثبات المؤهلات التعليمية، بحسب نوع النشاط التطوعي.
من أبرز البرامج المعروفة التي تقدم تسهيلات في هذا المجال هو برنامج الفيلق الأوروبي للتضامن (ESC – European Solidarity Corps). الذي يُعتبر أحد أكبر مبادرات الاتحاد الأوروبي لدعم العمل التطوعي للشباب. هذا البرنامج يوفر فرص تطوعية ممولة بالكامل، تشمل الإقامة، الطعام، التأمين، ومصروف جيب شهري. وغالبًا ما تُمنح للمشاركين تأشيرة تطوعية خاصة تسهل دخولهم إلى البلد الأوروبي المعني.
إضافة إلى ESC، هناك دول تقدم تأشيرات خاصة للتطوع، مثل:
- ألمانيا: تقدم تأشيرة باسم “Visa for voluntary service” للبرامج مثل FSJ وBFD.
- فرنسا: تقدم ما يُعرف بـ “Visa de long séjour pour mission de volontariat” وهي تأشيرة إقامة طويلة للأشخاص المشاركين في أنشطة تطوعية.
- إيطاليا وإسبانيا: لديهما كذلك برامج خاصة وتسهيلات للمشاركين في أعمال تطوعية طويلة الأمد.
إذا كنت تملك إقامة مؤقتة لأغراض أخرى داخل أوروبا (مثل الدراسة أو اللجوء):
إذا كنت تقيم في دولة أوروبية بالفعل لأسباب أخرى (مثل الدراسة أو اللجوء)، فقد تكون لديك فرصة للمشاركة في أنشطة تطوعية دون الحاجة إلى تأشيرة إضافية. لكن هذا يعتمد على شروط الإقامة الممنوحة لك.
- بالنسبة للطلاب: غالبًا يُسمح لهم بالمشاركة في العمل التطوعي، خاصة إذا كان لا يؤثر سلبًا على التزاماتهم الدراسية. وفي بعض الدول، يُشجع الطلاب الدوليون على الانخراط في المجتمع من خلال التطوع لأنه يساعدهم على الاندماج وتعلم اللغة.
- بالنسبة لطالبي اللجوء: الوضع أكثر تعقيدًا. ففي بعض الدول، مثل ألمانيا. يُسمح لطالبي اللجوء بالمشاركة في أنشطة تطوعية. ولكن ضمن قيود معينة تتعلق بعدم تقاضي الأجر، وأحيانًا تتطلب إذنًا خاصًا من مكتب الهجرة. أما في دول أخرى، قد يُمنع طالب اللجوء من التطوع نهائيًا إلى أن تُفصل قضيته ويتم البت في طلبه.
- الإقامات المؤقتة الأخرى (مثل العمل أو لمّ الشمل): قد يُسمح فيها بالتطوع. ولكن بشرط ألا يكون العمل التطوعي مموهاً لعمل مأجور، وألا يتعارض مع شروط تصريح الإقامة الأساسي.
بالتالي، من المهم جدًا أن تُراجع وثيقة إقامتك بدقة، أو تستشير محامي هجرة أو مسؤول في البلدية المحلية، قبل الانخراط في أي نشاط تطوعي.
الخلاصة:
نعم، في معظم الحالات يُشترط الحصول على إقامة مؤقتة أو تأشيرة خاصة للتطوع في أوروبا، خصوصًا إذا كنت من خارج الاتحاد الأوروبي. أما مواطنو الاتحاد، فهم يتمتعون بحرية أكبر في هذا المجال. ومع ذلك، فإن القوانين تختلف من بلد إلى آخر، لذا يُنصح دائمًا بالتحقق من المتطلبات الرسمية لكل دولة قبل بدء أي نشاط تطوعي.
في النهاية، يمكن القول إن العمل التطوعي في أوروبا مفتوح ومتاح للجميع. لكن الشروط تختلف بحسب الجنسية، ونوع الإقامة، والدولة المعنية. ومن الضروري التخطيط المسبق والاطلاع الدقيق على القوانين والإجراءات الخاصة بالبلد الذي ترغب في التطوع فيه. لا تكتفِ بالمعلومات العامة؛ تواصل دائمًا مع الجهة المنظمة للبرنامج التطوعي واسألهم عن الخطوات المطلوبة، فكل معلومة صحيحة تحصل عليها تفتح لك أبوابًا جديدة لتجربة تطوعية ناجحة وآمنة.
الأسئلة الشائعة :
1. هل يمكنني التطوع في أوروبا بدون إقامة مؤقتة؟
إذا كنت من خارج الاتحاد الأوروبي، ففي أغلب الحالات ستحتاج إلى تأشيرة تطوعية أو تصريح إقامة مؤقتة للمشاركة في العمل التطوعي، خاصة إذا كانت مدة النشاط تتجاوز 90 يومًا. أما إذا كنت مواطنًا أوروبيًا، فلا تحتاج إلى إقامة مؤقتة.
2. ما الفرق بين العمل التطوعي في أوروبا والعمل المأجور من الناحية القانونية؟
العمل التطوعي لا يتضمن أجرًا ماليًا وهو غير ربحي بطبيعته، ويُمارَس عادة في إطار منظمات وجمعيات خيرية. أما العمل المأجور فيتطلب تصريح عمل ويتضمن علاقة تعاقدية وحقوق قانونية مثل الأجر والتأمين.
3. هل تغطي التأشيرة التطوعية جميع تكاليفي في أوروبا؟
بعض البرامج مثل الفيلق الأوروبي للتضامن (ESC) تقدم دعمًا ماليًا يشمل الإقامة والطعام ومصروفًا شهريًا وتأمينًا صحيًا. لكن في برامج أخرى، قد تتحمل جزءًا من النفقات بنفسك، لذا من المهم قراءة تفاصيل كل برنامج بعناية.
4. هل يمكنني التطوع في أوروبا إذا كنت أمتلك إقامة للدراسة أو اللجوء؟
نعم، في أغلب الحالات يُسمح لك بالتطوع بشرط ألا يتعارض ذلك مع نوع إقامتك أو يخرق الشروط القانونية المرتبطة بها. يُنصح دائمًا بمراجعة الجهة المسؤولة عن الإقامة أو مكتب الهجرة قبل البدء بأي نشاط تطوعي.
اقرأ أيضًا :فرص عمل في قطر: مطلوب مضيفات الطيران في الخطوط الجوية القطرية