أدت السياسات الصارمة التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ملف الهجرة، إلى خلق أزمة عميقة في العمالة الزراعية في الولايات المتحدة، حيث تسبب ترحيل مئات الآلاف من المهاجرين في نقص حاد في الأيدي العاملة داخل الحقول والمزارع، في وقت لم تقدم فيه الإدارة حلولاً طويلة الأمد لمعالجة هذا التراجع.
منذ بداية العام، رحّلت إدارة ترامب أكثر من نصف مليون شخص، وألغت برامج عدة كانت تتيح للمهاجرين العمل بشكل قانوني، مما تسبب في اضطراب واسع داخل القطاعات الزراعية التي تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة. ويقول خبراء إن هذه الإجراءات تهدد بإحداث نقص في المواد الغذائية نتيجة انخفاض الإنتاج، بينما لم يبدُ أن المواطنين الأمريكيين راغبون في شغل هذه الوظائف الشاقة.
في محاولة لمعالجة النقص، عدّلت الإدارة برنامج تأشيرات العمال الزراعيين الأجانب المعروف باسم H-2A، ووصفت التغييرات بأنها “حل سريع” لمساعدة المزارعين. إلا أن هذا البرنامج عُلّق مؤقتًا خلال الإغلاق الحكومي الذي بدأ في الأول من أكتوبر، بعد خلافات سياسية حول الموازنة، ما أدى إلى توقف إصدار تصاريح جديدة وتأخير معالجة الطلبات، الأمر الذي زاد من معاناة المزارعين. وذكرت وزارة العمل الأمريكية أن تعليق البرنامج لفترة طويلة قد يؤدي إلى “تفاقم النقص في العمالة الزراعية وتأخير الإنتاج”.
تشير بيانات حكومية إلى أن نحو 44% من العاملين في القطاع الزراعي غير موثقين، وهو ما جعل سياسات الترحيل الجماعي تضرب قلب سلسلة الإمدادات الغذائية. وفي ولايات مثل بنسلفانيا وكاليفورنيا، اضطر بعض المزارعين إلى بيع قطعانهم أو ترك حقولهم دون حصاد بسبب نقص العمال. كما قدّر مركز بيو للأبحاث أن نحو 750 ألف مهاجر غادروا سوق العمل منذ بداية العام، مما يهدد بتقليص القوة العاملة على المستوى الوطني.
من جهتهم، أعرب ممثلو المزارعين عن قلقهم من أن برنامج H-2A لا يقدم سوى حلول مؤقتة. وقال جون والت بوترايت، مدير الشؤون الحكومية في اتحاد المزارعين الأمريكيين، إن البرنامج “ليس مستدامًا”، لكنه سيظل الخيار الوحيد المتاح للمزارعين في ظل غياب إصلاحات شاملة. وأضاف أن بعض القطاعات مثل صناعة الألبان ما زالت غير مؤهلة للاستفادة من البرنامج، مما يضعها في وضع أكثر هشاشة.
في المقابل، تواصل إدارة ترامب تطبيق حملاتها الواسعة ضد المهاجرين. فخلال الصيف، وجّه البيت الأبيض أوامر بتكثيف مداهمات الهجرة لتصل إلى اعتقال ثلاثة آلاف شخص يوميًا، وفق تقارير إعلامية أمريكية. وأدت هذه الإجراءات إلى حالة من القلق في المجتمعات الزراعية، بينما حذر مسؤولون سابقون من أن استمرارها سيؤدي إلى إغلاق مزارع صغيرة وزيادة الاعتماد على المزارع الصناعية الكبرى القادرة على تحمل كلفة العمالة الموسمية أو الاستثمار في الأتمتة.
ورغم إقرار وزارة العمل مؤخرا بأن النقص في العمالة قد يؤدي إلى اضطرابات في سوق الغذاء، فإن الحكومة اقترحت خفض “معدل أجر الأثر السلبي” الذي يُدفع لعمال التأشيرات، بحجة أن التكاليف المرتفعة تهدد تنافسية المزارعين. غير أن مراقبين اعتبروا أن خفض الأجور قد يزيد من هشاشة أوضاع هؤلاء العمال ويؤثر على جاذبية القطاع.
وفي ظل غياب جلسات للكونغرس منذ منتصف سبتمبر، لا يبدو أن هناك أي تحرك تشريعي قريب لمعالجة الأزمة أو لتبسيط نظام استقدام العمالة الأجنبية. كما لم تستجب غالبية أعضاء لجنة الزراعة في مجلس النواب لطلبات التعليق حول تأثير الإغلاق الحكومي على المزارعين.
وفي محاولة جديدة لتخفيف الضغط، أعلنت وزارة العمل عن إنشاء مكتب خاص باسم “مكتب سياسات الهجرة” لتسريع إجراءات تأشيرات العمالة الزراعية وتنظيم برامج العمل الموسمية. لكن خبراء يرون أن هذا الإجراء يبقى محدود التأثير في ظل استمرار التوتر السياسي حول الهجرة وعدم وضوح الرؤية بشأن مستقبل الإصلاحات.
وبينما تتواصل عمليات الترحيل والمداهمات، يظل المزارعون في أنحاء البلاد يواجهون خطر فقدان عمالهم ومصادر رزقهم. وفي الوقت الذي تراهن فيه إدارة ترامب على حلول مؤقتة عبر تأشيرات العمل الموسمية، يحذر اقتصاديون من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى تفاقم أزمة الغذاء ويزيد اعتماد البلاد على الواردات في المستقبل القريب.
المصدر: Investigate Midwest.
اقرأ أيضا:ارتفاع طلبات المغاربة لتأشيرة إسبانيا وسط زيادة في معدلات الرفض




