في إعلان رسمي أربك الوسطين السياسي والاجتماعي على حد سواء، أفصحت الحكومة الألمانية، يوم الأربعاء، عن قرارات محورية تتعلق بالهجرة، كان أبرزها تقليص إمكانيات لمّ شمل الأسر بالنسبة لفئات معينة من المهاجرين، بالإضافة إلى إعادة صياغة شروط الحصول على الجنسية الألمانية بطريقة أكثر صرامة مما سبق. هذا التحول الدراماتيكي في سياسة الهجرة جاء على خلفية تعهد قطعه المستشار المحافظ فريدريش ميرتس خلال حملته الانتخابية الأخيرة، والذي سعى من خلاله إلى إحكام قبضة الدولة على تدفقات الهجرة غير المنظمة، ويبدو أن حكومته باشرت التنفيذ بوتيرة لافتة فور توليها مقاليد السلطة.
ففي تطور مثير للجدل، أعلن وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت، أن هذه الإجراءات تُمثّل مفترق طرق حاسم في مسار ضبط تدفقات المهاجرين، واصفاً اليوم الذي تم فيه إقرار الخطة بأنه “محطة مصيرية” ستُحدث تغييراً ملموساً على أرض الواقع. هذه السياسة الجديدة تقضي بتجميد لمّ شمل العائلات لفترة زمنية لا تقل عن سنتين، مستهدفة بذلك الأشخاص الذين يُمنحون ما يُعرف بـ”الحماية الثانوية”، وهي درجة من الحماية القانونية أدنى من صفة اللاجئ الرسمي.
ويؤكد دوبريندت أن هذا الإجراء سيكون بمثابة صمام أمان يخفف الأعباء المتزايدة التي ترزح تحتها البلديات الألمانية، والتي تُكلف بتأمين السكن والرعاية والاندماج للمهاجرين الجدد. ويُستحضر هنا التاريخ القريب، حين اتخذت برلين خطوة مشابهة خلال فترة الذروة لأزمة الهجرة الأوروبية ما بين 2016 و2018، وهي تجربة شكّلت مرجعاً واضحاً في بناء هذه الإجراءات الجديدة.
وعلى صعيد آخر لا يقل جدلاً، قامت الحكومة بإلغاء إصلاح كان قد تبنته الإدارة السابقة ذات التوجهات اليسارية، برئاسة أولاف شولتس، والتي سمحت حينها لبعض المهاجرين بالتقدم للحصول على الجنسية الألمانية بعد ثلاث سنوات فقط من الإقامة، شرط إثبات “اندماج استثنائي ناجح”. أما اليوم، فتمت إعادة رفع المدة القانونية للإقامة قبل التقديم للجنسية إلى خمس سنوات كاملة، في خطوة تهدف إلى إعادة ضبط معيار الاندماج الحقيقي وتضييق مساحة التساهل القانوني.
وأشار دوبريندت إلى أن هذا التعديل ليس إجراءً تنظيمياً فقط، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليص “عوامل الجذب” التي تُغري الكثير من طالبي اللجوء أو الهجرة غير الشرعية باختيار ألمانيا كوجهة أولى. وبحسب الوزير، فإن هذه الإجراءات ستُرسل رسالة واضحة مفادها أن ألمانيا لم تعد ممرًا سهلاً لمن يسعى لدخول أراضيها بطرق غير قانونية.
ويُرجّح مراقبون أن تؤدي هذه التحركات إلى توسيع الفجوة السياسية بين اليمين واليسار في البلاد، في حين يرى البعض أن هذه السياسات جاءت كردّ فعل مباشر على تصاعد نبرة حزب البديل من أجل ألمانيا، المعروف بمواقفه العدائية تجاه المهاجرين. الحزب، الذي يصنف على أنه متطرف يمينياً، استفاد بشكل ملحوظ من تصاعد القلق الشعبي إزاء ملف الهجرة، وهو ما دفع بالحكومة الجديدة إلى التحرك بسرعة لإثبات أنها تتحكم بزمام الأمور.
ومن المنتظر أن تُعرض هذه الإجراءات التشريعية على البرلمان الألماني خلال الأسابيع القليلة القادمة، على أن يتم التصويت عليها قبل انطلاق العطلة الصيفية المقررة في يوليوز. وإذا ما تمت المصادقة عليها، فإنها ستُشكّل نقطة تحول حاسمة في المشهد السياسي الألماني، وتعيد تشكيل العلاقات بين الدولة والمجتمعات المهاجرة على أسس جديدة تماماً.
المصدر الرئيسي لهذا الخبر هو موقع الجزيرة نت، حيث نُشر تقرير بعنوان “ألمانيا تقيد لمّ شمل العائلات وتشدد قواعد الحصول على الجنسية” بتاريخ 28 مايو 2025.
الأسئلة الشائعة حول تشديد قوانين الهجرة في ألمانيا
ما هي الفئات المتضررة من قرار تجميد لمّ الشمل؟
الأشخاص الحاصلون على الحماية الثانوية وليس صفة اللاجئ الكاملة هم الأكثر تضرراً من هذا القرار، حيث تم تعليق لمّ شمل عائلاتهم لمدة لا تقل عن عامين.
هل هذا القرار نهائي أم قابل للمراجعة؟
الحكومة أشارت إلى أن القرار هو جزء من سياسة مؤقتة سيتم تقييمها لاحقاً، ولكنه في الوقت الراهن سيُطبّق بشكل صارم ولمدة عامين على الأقل.
ما هي دوافع الحكومة لاتخاذ هذه القرارات؟
القرارات جاءت استجابة لتعهدات انتخابية من المستشار ميرتس، وللحد من الهجرة غير النظامية وتقليل الأعباء عن البلديات، وكذلك لمواجهة تصاعد نفوذ الأحزاب المناهضة للهجرة.
هل سيؤثر رفع مدة الإقامة إلى خمس سنوات للحصول على الجنسية على المهاجرين الحاليين؟
نعم، فالأشخاص الذين كانوا ينتظرون استكمال ثلاث سنوات للحصول على الجنسية سيتوجب عليهم الآن الانتظار عامين إضافيين إذا لم يقدّموا طلبهم قبل تفعيل القانون الجديد.
هل هناك استثناءات لبعض الفئات من هذه القوانين؟
حتى اللحظة، لم تُعلن الحكومة عن استثناءات رسمية، لكن من المتوقع أن يتم تحديد بعض المعايير لاحقاً فيما يخص الفئات التي أظهرت اندماجاً نوعياً واستثنائياً.
هل هذه القوانين ستؤثر على العلاقات الأوروبية الألمانية؟
ربما، إذ أن ألمانيا كانت من أكثر الدول انفتاحاً خلال أزمة الهجرة في 2015، وتحولها الآن قد يُثير نقاشات أوروبية حول التوازن بين الحماية الإنسانية والأمن الوطني.
متى يُتوقع دخول هذه القرارات حيّز التنفيذ؟
بعد موافقة البرلمان، يُتوقع أن يتم تطبيق هذه الإجراءات بشكل فعلي خلال النصف الثاني من العام الجاري، أي بعد انتهاء العطلة الصيفية مباشرة.
ما هو موقف منظمات حقوق الإنسان من هذه الإجراءات؟
عدد من المنظمات أعرب عن قلقه إزاء إمكانية انتهاك حقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بحقوق الأسرة والاندماج، وهو ما قد يفتح الباب لمزيد من الجدل السياسي والقانوني.
اقرأ أيضًا :فرنسا تفتتح مركزًا جديدًا لتلقي طلبات التأشيرة في مدينة العيون المغربية