تُعتبر االتسوية القانونية في إيطاليا (Sanatoria) في إيطاليا من أبرز التدابير الاستثنائية التي تلجأ إليها الدولة لمعالجة أوضاع المهاجرين غير النظاميين المقيمين على أراضيها، وهي آلية تهدف بالدرجة الأولى إلى إدماج فئات معينة من هؤلاء المهاجرين في النسيج القانوني والاجتماعي بشكل منظم. وتأتي هذه الإجراءات عادةً استجابةً لاعتبارات متعددة. منها حاجة سوق العمل الإيطالي إلى اليد العاملة في قطاعات أساسية مثل الزراعة، البناء، والخدمات المنزلية، إضافةً إلى أبعاد إنسانية تتعلق بضمان الحد الأدنى من الحقوق الأساسية لهؤلاء الأفراد. تقوم الحكومة الإيطالية بتحديد الشروط والمعايير التي تُمكّن المهاجر من الاستفادة من هذه التسوية، مثل إثبات الإقامة في إيطاليا قبل تاريخ معين، أو الحصول على عقد عمل رسمي يضمن له الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
كما تُعتبر هذه العملية وسيلة لتقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي، وتعزيز الرقابة على العمالة. وتوفير موارد مالية إضافية للدولة من خلال الضرائب والاشتراكات الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، تُثير التسوية القانونية في إيطاليا (Sanatoria) جدلاً سياسياً ومجتمعياً واسعاً. إذ يرى البعض أنها أداة ضرورية لضبط الهجرة غير النظامية وتحويلها إلى مسار مشروع. بينما يعتبرها آخرون عاملاً مشجعاً للهجرة غير الشرعية إذا لم تُرافقها سياسات صارمة للحد من التدفقات المستقبلية.
ورغم ذلك، تبقى Sanatoria خياراً استثنائياً تلجأ إليه الدولة الإيطالية من حين لآخر، باعتباره مخرجاً عملياً يوازن بين متطلبات سوق العمل. والاعتبارات الإنسانية، والأمن الاجتماعي.
مفهوم التسوية القانونية في إيطاليا (Sanatoria)
مفهوم التسوية (Sanatoria) في السياق الإيطالي يُشير إلى إجراء إداري استثنائي تتخذه الدولة بهدف معالجة أوضاع الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني على أراضيها. فكلمة Sanatoria في اللغة الإيطالية تعني “التسوية” أو “العفو”، وهو مصطلح يعكس الطابع المؤقت والاستثنائي لهذه العملية. حيث يُمنح المهاجرون غير النظاميين فرصة لتقنين وضعيتهم والحصول على تصريح إقامة رسمي يتيح لهم العيش والعمل بشكل مشروع داخل المجتمع الإيطالي. وغالباً ما ترتبط هذه التسوية بعوامل اقتصادية واجتماعية. إذ تُطلقها السلطات الإيطالية في أوقات محددة استجابةً لحاجة سوق العمل إلى عمالة إضافية في قطاعات معينة. أو بهدف تعزيز سياسات الاندماج الاجتماعي وضمان الحقوق الأساسية للأفراد. كما تُعد هذه الآلية وسيلة عملية لتقليل حجم العمالة غير النظامية، وتعزيز الشفافية في سوق العمل، إلى جانب كونها أداة قانونية تمكّن المهاجر من الانتقال من حالة الهشاشة وعدم الاستقرار إلى وضع قانوني يوفر له الأمن والحماية الاجتماعية.
خلفية تاريخية
شهدت إيطاليا منذ ثمانينيات القرن الماضي عدة موجات من التسويات القانونية، حيث أطلقت الحكومات المتعاقبة برامج “Sanatoria” استجابة للزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين غير النظاميين.
- في 1986 أُطلقت أول تسوية رسمية.
- تلتها حملات أخرى في التسعينيات وبداية الألفية.
- آخرها كان في 2020 أثناء جائحة كورونا. حيث تم إصدار مرسوم خاص لتسوية أوضاع المهاجرين العاملين في قطاعات الزراعة، الرعاية المنزلية، والخدمات الأسرية.
أهداف التسوية القانونية في إيطاليا (Sanatoria)
تلبية احتياجات سوق العمل:
تُعتبر التسوية القانونية وسيلة فعّالة لتغطية النقص في اليد العاملة الذي يعاني منه الاقتصاد الإيطالي. خصوصاً في قطاعات حيوية مثل الزراعة، البناء، والخدمات المنزلية. فهذه المجالات تعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية، إذ يصعب على السوق المحلي وحده تلبية الطلب المتزايد فيها. ومن خلال منح المهاجرين غير النظاميين تصاريح إقامة قانونية. تُساهم الدولة في توفير عمالة مستقرة وشرعية تضمن استمرارية النشاط الاقتصادي وتعزز الإنتاجية.
محاربة العمل الأسود (il lavoro nero):
تشكل ظاهرة العمل غير الرسمي أو ما يُعرف في إيطاليا بـ il lavoro nero تحدياً كبيراً للدولة والمجتمع. إذ يعمل عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين دون عقود رسمية، مما يحرمهم من حقوقهم الأساسية ويحرم الدولة في الوقت ذاته من الضرائب والمساهمات الاجتماعية. ومن خلال إجراءات التسوية، يتم تقنين أوضاع هؤلاء العمال وإدخالهم في المنظومة القانونية. مما يضمن الشفافية ويحد من الاستغلال ويُعزز موارد الدولة المالية.
حماية حقوق الإنسان:
تهدف التسوية أيضاً إلى تعزيز البعد الإنساني للهجرة من خلال حماية المهاجرين وضمان حصولهم على حقوق أساسية مثل الرعاية الصحية، التعليم، والحماية القانونية. فالحياة في وضع غير نظامي تجعل المهاجر عرضة للاستغلال والحرمان من أبسط مقومات الكرامة الإنسانية. في حين أن منحهم إقامة قانونية يوفر لهم بيئة أكثر أماناً واستقراراً. ويُسهم في تعزيز القيم الإنسانية التي تقوم عليها الدولة الإيطالية.
تعزيز الاندماج الاجتماعي:
يُعتبر الاندماج أحد الأهداف المركزية للتسوية القانونية، إذ أن إدماج المهاجرين في المجتمع بشكل قانوني يساعد على الحد من التهميش والتمييز. ويفتح أمامهم فرص المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن تقنين أوضاعهم يُسهل عملية التعايش السلمي بين مختلف المكونات. ويُعزز من قيم التنوع والاندماج التي تُعتبر من ركائز المجتمع الإيطالي الحديث.
اقرأ أيضًا :كيفية تعديل الشهادات المهنية والجامعية في ألمانيا
شروط الاستفادة من التسوية القانونية في إيطاليا (Sanatoria)
تختلف الشروط من فترة لأخرى حسب نص المرسوم، لكن بشكل عام، تتضمن:
- إثبات الإقامة في إيطاليا قبل تاريخ محدد.
- توفر عقد عمل أو تعهّد من صاحب عمل بتشغيل المهاجر.
- عدم وجود سوابق جنائية خطيرة.
- دفع رسوم مالية ورسوم إدارية (عادة تتراوح بين 300 و 500 يورو).
الانتقادات والإشكاليات
أنها حل مؤقت ولا تعالج جذور المشكلة المرتبطة بسياسات الهجرة الأوروبية:
يُنظر إلى التسوية القانونية في كثير من الأحيان على أنها إجراء استثنائي قصير المدى لا يعالج الأسباب العميقة للهجرة غير النظامية. مثل غياب سياسات أوروبية موحّدة وشاملة في مجال الهجرة واللجوء. فهي تمنح تسهيلات مرحلية لفئات معينة من المهاجرين. لكنها لا تضع حلولاً مستدامة للحد من التدفقات المستقبلية ولا لمعالجة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين دول المنشأ ودول الاستقبال.
بعض أصحاب العمل يستغلون الإجراءات بفرض عقود صورية مقابل المال:
من أبرز الإشكاليات المرتبطة بالتسوية القانونية هو استغلال بعض أصحاب العمل لهذه الفرصة بشكل غير مشروع، حيث يقومون بفرض عقود عمل وهمية أو يطلبون من المهاجرين مبالغ مالية مقابل إدخالهم في إجراءات التسوية. هذا النوع من الممارسات يحوّل العملية إلى وسيلة للابتزاز، ويُفقدها جوهرها الإنساني والقانوني، كما يُفاقم أوضاع المهاجرين بدلاً من تحسينها.
عدم شمولها جميع المهاجرين، مما يبقي أعداداً كبيرة في أوضاع غير قانونية:
رغم أهميتها، إلا أن التسوية لا تشمل جميع المهاجرين غير النظاميين. إذ تقتصر على فئات معينة تحددها الحكومة وفقاً لاحتياجات السوق أو لاعتبارات سياسية واجتماعية. هذا الانتقاء يجعل جزءاً كبيراً من المهاجرين مستثنى من العملية، مما يُبقيهم في وضع هش وغير قانوني، ويُكرّس في المجتمع فئة مهمشة تفتقر إلى الحماية والحقوق الأساسية.
الخلاصة
تُعتبر التسوية القانونية في إيطاليا (Sanatoria) إحدى أبرز الآليات التي تعتمدها الدولة للتعامل مع واقع المهاجرين غير النظاميين. إذ تُتيح لهم فرصة الانتقال من وضع هش وغير مستقر إلى إطار قانوني يضمن لهم الحد الأدنى من الحقوق ويُساهم في تلبية حاجات سوق العمل الإيطالي. فهي أداة تجمع بين البعد الإنساني والاقتصادي والسياسي، وتعكس حرص الدولة على الموازنة بين هذه المتطلبات المتداخلة. ومع ذلك، فإن محدودية نطاق هذه الإجراءات وكونها ذات طابع مؤقت يجعلها غير كافية لمعالجة التحديات الجذرية المرتبطة بملف الهجرة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى صياغة سياسات شاملة ودائمة. سواء على الصعيد الوطني أو ضمن إطار أوروبي موحد، تضمن احترام حقوق الإنسان وتُسهم في تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي طويل الأمد.
الأسئلة الشائعة حول التسوية القانونية في إيطاليا (Sanatoria)
س1: ما هي التسوية القانونية (Sanatoria)؟
ج1: هي إجراء رسمي يسمح للأجانب المقيمين بشكل غير قانوني في إيطاليا بتسوية أوضاعهم والحصول على تصريح إقامة مؤقت أو دائم وفق شروط محددة من الحكومة الإيطالية.
س2: من يمكنه الاستفادة من Sanatoria؟
ج2: عادةً يستفيد منها المهاجرون غير النظاميين الذين لديهم إقامة سابقة في إيطاليا، ويتمكنون من إثبات عملهم أو الحصول على عقد عمل قانوني، مع استيفاء شروط أخرى مثل عدم وجود سوابق جنائية.
س3: ما هي القطاعات التي تشملها التسوية؟
ج3: غالبًا تشمل قطاعات مثل الزراعة، البناء، الخدمات المنزلية، والرعاية الصحية المنزلية، حيث تعتمد هذه المجالات على العمالة الأجنبية بشكل كبير.
س4: هل الحصول على التسوية القانونية يمنح الإقامة الدائمة؟
ج4: لا بالضرورة، ففي الغالب تمنح إقامة مؤقتة قابلة للتحويل إلى إقامة دائمة بعد استيفاء شروط محددة، مثل مدة الإقامة والعمل المستمر.
س5: هل يمكن لأي مهاجر الاستفادة من Sanatoria؟
ج5: لا، فهناك شروط محددة يجب استيفاؤها، مثل إثبات الإقامة قبل تاريخ محدد، وجود عقد عمل قانوني، وعدم وجود جرائم خطيرة.
اقرأ أيضًا :برامج الهجرة المخصصة للناطقين بالفرنسية إلى مقاطعة كيبيك