في خطوة قانونية جريئة ومثيرة للجدل، أطلقت إيطاليا رسميًا في 20 مايو تشريعات جديدة تُقيد بشدة إمكانية الحصول على الجنسية عبر سلالة الأجداد البعيدين، وخاصة أولئك الذين ينتمون للجيل الثالث وما بعده. القرار الذي جاء بمباركة حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، يعكس توجّهًا واضحًا نحو تقليص الهويات المزدوجة التي لا ترتكز على ارتباط حقيقي وفعّال بإيطاليا.
في سابقة سياسية، أقرّ مجلس الشيوخ الإيطالي المرسوم الجديد، الذي ينقّح شروط منح الجنسية بالاعتماد على مبدأ “حق الدم”، وذلك بموافقة 81 عضوًا مقابل معارضة 37 آخرين. بموجب هذا القرار، أصبح من غير الممكن لأي فرد أن يطالب بالجنسية الإيطالية فقط لكون جدّه أو جدّة جدّه وُلد في إيطاليا دون إثبات رابط ثقافي أو لغوي مباشر.
لم يعد يكفي أن يكون لأحد المتقدمين والد أو جد إيطالي. بل أصبح من الضروري أيضًا إثبات التمكن من اللغة الإيطالية، وهو شرط لم يكن يُطلب إلا في حالات التجنيس عبر الزواج أو الإقامة سابقًا. والآن، بات مطلوبًا من كل من يسعى للجنسية عبر الأجداد أن يُظهر قدرة لغوية ملموسة، وهو ما اعتُبر بمثابة اختبار للارتباط الحقيقي بالجذور.
وقد علّق نائب رئيس الوزراء الإيطالي، أنطونيو تاجاني، بلهجة صارمة قائلاً: “أن تكون مواطنًا إيطاليًا ليست مسألة عبثية. لا يُفترض أن يكون جواز السفر الإيطالي أداة للتسوّق في ميامي. نحن نرغب في أن يمنح جواز السفر لمن يستحقه فعلًا، لمن يشعر بأن إيطاليا تسري في دمه، لا لمن يسعى لاستغلاله لأغراض نفعية”.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تُظهر فيه الإحصائيات ارتفاعًا ملحوظًا في طلبات الحصول على الجنسية من أفراد لا يُقيمون في إيطاليا ولا يحملون سوى صلة نسب بعيدة. ففي عام 2023 وحده، حصل 61 ألف شخص على الجنسية الإيطالية بناءً على أصولهم، من بينهم 42 ألفًا من البرازيل وحدها، أي بنسبة 68.5% من الإجمالي.
ويُتوقّع أن يكون البرازيليون الأكثر تضررًا من التغييرات، إذ يعتمد كثير منهم على روابط سلالية ضاربة في القدم للارتباط بإيطاليا. أما الأرجنتينيون، فقد حلّوا في المرتبة الثالثة بين الجنسيات التي حصلت على الجنسية الإيطالية في نفس العام، مع أكثر من 16 ألف حالة تجنيس. وتُشير تقارير المعهد الإيطالي للإحصاء (Istat) إلى تضاعف هذه الأرقام مقارنة بعام 2021، مما شكّل ضغطًا واضحًا على الهيئات الرسمية ودفع الحكومة لاتخاذ موقف حاسم.
أما الآن، فالمعادلة تغيّرت بالكامل. لم يعد بالإمكان الاستناد على جذور قديمة لولوج عالم المواطنة الإيطالية. فكل من لا يفي بشروط النسب المباشر أو لا يُجيد اللغة الإيطالية، سيكون عليه التوجّه إلى إيطاليا فعليًا والإقامة فيها لسنوات قبل أن يُسمح له حتى بتقديم طلب الحصول على الجنسية. ومع تشديد إجراءات التأشيرات، أصبح الوصول إلى تلك الغاية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، خاصة لغير المنتمين إلى الاتحاد الأوروبي.
الرسالة التي تُوجّهها الحكومة الإيطالية واضحة: المواطنة ليست امتيازًا ورقيًا، بل هي التزام ثقافي وحضاري وانتماء حيّ. الدولة تسعى لتقليص من يستغلون الروابط الوراثية لتحقيق مكاسب شخصية دون ارتباط حقيقي بالهوية الإيطالية، وهو ما دفعها لإغلاق الباب في وجه من اعتادوا الدخول من خلال “نافذة الأجداد”.
المصدر الرئيسي لهذا الخبر هو القانون الإيطالي رقم 74 لعام 2025 المُعتمد حديثًا من قبل مجلس الشيوخ الإيطالي، ويمكن الاطلاع عليه عبر موقع italyget.com.
وفيما يلي بعض الأسئلة الشائعة التي تُجيب عن أهم ما قد يشغل الراغبين في الحصول على الجنسية الإيطالية بعد التعديلات الجديدة:
هل لا يزال من الممكن الحصول على الجنسية من خلال الأجداد؟
نعم، ولكن فقط في حال كان أحد الوالدين أو الأجداد المباشرين إيطاليًا، ويجب على المتقدم أن يُثبت ذلك مع إتقان اللغة الإيطالية.
هل هذه التغييرات تشمل المتقدمين من داخل الاتحاد الأوروبي؟
الإجراءات تُطبق بشكل أكثر صرامة على غير الأوروبيين، إذ إن تأشيرات الإقامة أصبحت أصعب، ما يصعّب استكمال متطلبات الجنسية.
هل هناك بديل للحصول على الجنسية بعيدًا عن النسب؟
نعم، الإقامة في إيطاليا لعدة سنوات مع التزام قانوني واجتماعي ولغوي يمكن أن يمنح الحق في تقديم طلب الجنسية.
هل تؤثر هذه القوانين على من حصل على الجنسية مسبقًا؟
لا، هذه التشريعات لا تُطبّق بأثر رجعي، ولكنها تُطبق على جميع الطلبات الجديدة المقدمة بعد 20 مايو 2024.
لماذا تُركّز الحكومة الإيطالية على البرازيليين؟
لأن النسبة الأكبر من الطلبات المُعتمدة عبر النسب في السنوات الأخيرة جاءت من البرازيل، وقد اعتُبرت هذه الظاهرة نوعًا من الاستغلال غير المرتبط بالانتماء الحقيقي.
هل هناك استثناءات لهذه القوانين؟
حتى اللحظة، لم تُعلن الحكومة عن أي استثناءات، وكل الحالات ستُخضع لذات المعايير الجديدة.
هل ستتغير هذه السياسات مستقبلًا؟
من الصعب التكهّن، لكن في ظل الحكومة الحالية ذات التوجّه القومي، تبدو هذه السياسات طويلة الأمد.
هذه التغييرات تعكس وجهًا جديدًا للهوية الإيطالية، وجهًا لا يعترف بالدم وحده كجواز مرور، بل يطالب بالدليل الحي على الانتماء، وبأن تكون “إيطاليًا” بالفعل لا فقط بالوراثة.
اقرأ أيضًا :بلغاريا بحاجة إلى 50 ألف عامل أجنبي لتعزيز السياحة الصيفية